تعرف على أبرز معالم ومميزات التفكير الفلسفي ومجال اشتغاله

تعرف على أبرز معالم ومميزات التفكير الفلسفي ومجال اشتغاله

تعرف على أبرز معالم ومميزات التفكير الفلسفي ومجال اشتغاله

أهم وأبرز معالم التفكير الفلسفي ونمط اشتغاله وهو المحور الرابع ضمن مجزوءة الفلسفة في كتاب منار الفلسفة للجذع المشترك
مميزات التفكير الفلسفي


"إذا ما تتبعنا إنتاجات الفلاسفة عبر التاريخ، يمكننا أن نستشف أهم وأبرز خصائص ومميزات التفكير الفلسفي، لأن الفيلسوف يقدم تصوراته وفق منطق خاص، كما ينتج نصوصا وفق خطوات تفكيره، وهو ما يجعلنا نشعر بوجود اختلاف يصل إلى حد التعارض أحيانا بين أنماط التعبير الفلسفية، فاليوناني المرموق سقراط مثلا اعتمد أسلوب التوليد والحوار الشفوي، أما مواطنه أرسطو فقد اعتمد على أسلوب العرض المنظم والمنطقي."

إذا توجهنا إلى العصر الحديث، سنجد الفيلسوف الهولاندي باروخ اسبينوزا الذي اعتمد استدلالا أقرب إلى الاستدلال الرياضي،  في حين نجد الألماني المعاصر فريدريك نيتشه قد اعتمد أسلوبا مغايرا كليا، يتمثل في لغة تقوم على الرمز والصورة، فلغة نيتشه أقرب إلى لغة الشعر، بالرغم مما يبدو من اختلاف على مستوى أشكال التعبير بين الفلاسفة، إلا أن التفكير الفلسفي يتميز بمجموعة من المميزات والخصائص التي تجعل منه تفكيرا متميزا عن باقي أنماط التفكير الأخرى، وهي ما سنتوقف عنده فيما سيأتي.

اقرأ المزيد

  1. تعرف على أبرز معالم ومميزات التفكير الفلسفي.
  2. النقد والفحص من مميزات التفكير الفلسفي.
  3. النظرة الشمولية والتناول الكلي للأشياء.
  4. النسقية من خصائص التفكير الفلسفي.
  5. الفلسفة كبحث عن الحقيقة.
  6. الصرامة المنطقية من مميزات التفكير الفلسفي.
  7. تعرف على البعد القيمي للفلسفة.
  8. ملخص لمعالم التفكير الفلسفي.

النقد والفحص من مميزات التفكير الفلسفي

توصف الفلسفة عادة بالتفكير النقدي Penseé Critique، لكن ماهي الدلالة التي يتخذها النقد في المجال الفلسفي؟ إن النقد في الفلسفة لا يخرج عن التداول اللغوي في معناه العام، فنقد الشيء في لسان العرب لابن منظور، معناه الكشف على ما يوجد به من زيف وعيب، وهو نفسه المعنى الذي نجده في القاموس اللغوي "المعتمد"، فنقد الكلام معناه أظهر ما فيه من العيب، لكن قاموس المعتمد يزيد على ذلك، فيرى أن النقد يتعدى الكشف عن العيب والخطأ إلى إظهار مواضع الصواب والصدق في الشيء، بمعنى يتعلق الأمر حتى بالكشف عن الجانب الإيجابي في الشيء، فمثلا نقول نقد الكاتب كلام صاحبه، معناه أظهر مواضع الخطأ ومواضع الصواب فيه، ويقال أيضا نقد الصراف الدراهم، بمعنى نظر فيها وميز جيدها من رديئها، وهو نفس المعنى الذي نجده متداولا حتى في المعاجم الفرنسية، لكن يجب أن نعلم بأن البحث عن مواطن الخطأ والصواب في قضية ما، إنما هو في واقع الأمر، بحث عن حقيقة وصدق القضية المدروسة.

إن هذه المعاني المتداولة لمفهوم النقد على المستوى اللغوي، هي نفسها نجدها حاضرة بقوة على مستوى الدلالة الفلسفية للمفهوم، ففي كتاب الفيلسوف الفرنسي المعاصر جيل غاستون غرانجي بعنوان: "Pour la connaissance philosophique"، نجد العبارة التالية: "أن نصدر حكما نقديا في الفلسفة، معناه أن نتموضع ولو بشكل مؤقت داخل منظومة من منظومات التفكير، للبحث في مدى دقتها وصرامتها، والكشف، عند الاقتضاء، عن مواطن الخلل والنقص فيها"، معنى ذلك، أن ممارسة النقد في الفلسفة، يقتضي منا خطوتين:

  1. الغوص في أعماق كل إنتاج فكري بشري، بدل النظر إليه من الخارج (نظرة سطحية).
  2. التركيز على الجوانب الإيجابية في هذا الإنتاج وتثمينها، أما الجوانب السلبية فسيتم الكشف عنها عند الضرورة، فهذا هو ما يمنع النقد الفلسفي طابعه الإيجابي، فينعت بالنقد البناء الذي يسعى إلى بلوغ الحقيقة.
شاهد أيضا

النظرة الشمولية والتناول الكلي للأشياء

رغم الطابع الشخصي للتجربة الفلسفية، إلا أنها لا تنظر إلى الأمور والقضايا كظواهر جزئية ووقائع خاصة، كما هو الحال في المجال العلمي، بل تنظر إليها نظرة شمولية وتتناولها تناولا كليا، ففي المجال العلمي نجد العالم يهتم بظواهر جزئية لها ارتباط بتخصصه (بيولوجيا، فلك...) فحين تسأل العالم الفيزيائي سؤالا من قبيل ما الإنسان؟ فلن يجيب أكثر من كونه مركب كيميائي يتفاعل مع عناصر فيزيائية تأتي من الوسط الذي يعيش فيه (الضوء، الحرارة...)، ومن خلال هذا التعريف فهو يلغي جوانب متعددة لها دور كبير في منح المعنى لمفهوم الإنسان، بمعنى أن العالم يربط الحقيقة بالشروط التي تحدد ظاهرة معينة، وبالتي فهو تصور الحقيقة مجزأة، وهكذا يعتبر تناول العلم لموضوعاته تناولا جزئيا، 

في مقابل ذلك فالتعريف الذي يقدمه الفيلسوف للإنسان، هو تعريف يتخذ أبعادا متعددة تشمل كل الجوانب المتعلقة بحقيقة الإنسان (نفسية، اجتماعية، أخلاقية، سياسية، بيولوجية...)، وبذلك فعندما تنظر الفلسفة إلى موضوع معين، فهي لا تظر إليه باعتباره ظاهرة فردية معزولة في الزمان والمكان، وإنما تنظر إلى موضوعاتها باعتبارها موضوعات تشمل الكون برمته، فحتى في الحالات التي نجد فيها فيلسوفا يتناول مواضيع ذات طابع خاص، من قبيل التناول الهيجلي للمجتمع الألماني، أو التناول السقراطي سابقا للمجتمع اليوناني، إن هذا التناول للمواضيع ذات الخصوصية له أبعاد ودلالات شمولية، بمعنى هي مجرد خلفيات ومنطلقات من أجل بناء تصورات ومبادئ ذلت طابع شمولي، وهكذا فالفيلسوف لا ينظر إلى الحقيقة باعتبارها عناصر صغرى ومجزأة.

إن الفلسفة حقا لا تخلو من الوصف والتحليل، لكن الفيلسوف يتميز عن العالم، بكونه يسعى إلى تكوين نظرة متجانسة وموحدة عن كل مناحي الكون، وذلك ما كان يعنيه الفيلسوف الانجليزي هاربرت سبنسر (1903،1820) في كتابه "المبادئ الأولى"، حينما قال "إن أدنى درجات المعرفة، إنما هي المعرفة غير الموحدة، وإذا كان العلم معرفة موحدة جزئيا، فإن الفلسفة هي المعرفة الموحدة كليا".

النسقية من خصائص التفكير الفلسفي

يدل مصطلح النسق على وضع مجموعة من العناصر (نظريات، أشياء، وقائع) بشكل منسق ومنظم، بحيث تربط بينها علاقات تفاعلية من أجل القيام بوظيفة ما، وعندما نقل بأن التفكير الفلسفي يتميز بطابع نسقي، فهذا معناه أنه منظومة من الأفكار (مجموعة من التصورات والمواقف الفلسفية)، كل تصور يعالج مشكلة ما، بحيث نجد بين هذه المواقف والتصورات تماسكا وتناسقا من حيث البناء، بحيث لا يمكن فهم تصور ما، إلا من خلال وضعه في سياق التصورات الأخرى للفيلسوف، بمعنى آخر، لا يمكن لجزء منها أن يأخذ دلالته ولا معناه إلا من خلال وضعه في السياق الكامل لخطاب صاحب تلك الأفكار (الفيلسوف)، فالنسق إذن يدل على الإطار الفكري الكلي والشامل الذي تترابط فيه أطروحات الفيلسوف وأفكاره مع بعضها البعض بشكل محكم وقوي، وتنتظم بشكل عضوي في غياب تام للتناقض والتعارض بينها، وإنما هناك وحدة وانسجام تطبع كل هذه التصورات.  


الفلسفة كبحث عن الحقيقة

قبل ظهور التفكير الفلسفي كان البعض من الناس من ينظرون إلى أنفسهم باعتبارهم حكماء، كما كانت المدرسة السفسطائية تعتبر سندا لنجاح الفرد في الممارسة السياسية، لأن ذلك هو أسمى ما يسعى إليه الفرد حينها، لكن التفكير الفلسفي غير من كل ذلك، بحيث جاءت الفلسفة كمحبة للحكمة وكرفض للخطاب السفسطائي ونقدا للسياسة، بمعنى أن الفلسفة ليست امتلاكا للحقيقة وإنما بحثا عنها، وهذا البحث معناه رفض كل الأفكار الجاهزة ووصايا جهة أو مذهب معين، فالذي يدعي امتلاك الحقيقة لن يطرح التساؤلات حول مواضيع معينة، لكنه مادام يشعر بعدم امتلاكه لها، ذلك سيدفعه نحو التساؤل وبالتالي البحث عن الحقيقة المفقودة.


الصرامة المنطقية من مميزات التفكير الفلسفي

إن المجال الفلسفي هو مجال ينطلق من الفحص الدقيق للموضوعات ساعيا إلى تأسيس نوع من التفكير يقوم على الصرامة المنطقية والعقلية، مستهلا ذلك بعدة تساؤلات حول الكون وعناصره، فلا يمكن أن نبني تصورا فلسفيا بطريقة عشوائية، بل التصورات والمواقف الفلسفية تمتاز بنوع من التماسك المنطقي، فالفيلسوف يسعى إلى عدم السقوط في التناقض عند بنائه لتصورا ما، لكن لا يجب أن نغفل أن تصورات الفلاسفة ومواقفهم هي رهينة بشروط تاريخية واجتماعية وسياسية معينة، وتمثل الصرامة المنطقية نموذجا تسير على منواله كل الأشكال الثقافية والأنماط الفكرية المتنوعة.

تعرف على البعد القيمي للفلسفة

إن الفلسفة تسعى باستمرار نحو تحقيق غايات أسمى، والتي تتمثل في إنتاج مثل عليا وخلق قيم إنسانية نبيلة، فالفلسفة تنبد العنف وتؤمن بالإختلاف وتكرس التسامح وتحبد الحوار، وتدعو إلى احترام الآخر رأيا وسلوكا، وترفض التعصب للرأي، وتدعو إلى احترام حقوق الانسان طفلا كان أو امرأة أو رجلا أبيض أو أسود البشرة أو من ذوي الاحياجات الخاصة، وهذا ما يجعل من المعرفة الفلسفية معرفة ذات ارتباط وثيق بحياة الإنسان ومصيره، وتلك القيم هي الأهداف القصوى للوجود البشري، وهكذا فالفلسفة ذات أهمية بالغة وقيمة أسمى، لأن لها ارتباط وثيق بالواقع الإنساني وبوجوده اليومي. 

ملخص لمعالم التفكير الفلسفي

إن ما تحدثنا عنه سالفا من معالم التفكير الفلسفي، يمثل مميزات وسمات ظلت ملازمة للفلسفة مند ظهورها كنوع جديد من التفكير المجرد والعام، لكن هذا لا يعني أن الممارسة الفلسفية تتم في استقلال عن الظواهر والمؤسسات، وفي تعالي تام عن المشاكل الاجتماعية، فليس هناك انفصال بين الفلسفة والحياة الاجتماعية والسياسية وغيرها للفيلسوف، والمشاكل التي تعيشها، فالفيلسوف جزء من حركة المجتمع ومشاكله، بالرغم من أنه يبدوا غريبا عنه، وهكذا فالفلسفة لها أهمية كبيرة في حياة الانسان، لأنها يسعى إلى تقديم حلول لما يعيشه من مشاكل تتعلق بحياته، وتجدر الإشارة في الأخير أن هذا الموضوع هو ذو أهمية بالغة بالنسبة لتلاميذ الجذع المشترك، لأنه يمثل تحليلا للمحور الرابع من مجزوءة الفلسفة، وهو محور معالم التفكير الفلسفي ونمط اشتغاله، ضمن كتاب منار الفلسفة.

اقرأ المزيد


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-